الأحد، 23 أغسطس 2009

عن الأنثى إذا غنّت

رغم ما في الأغنية العربية من متعة لا حدّ لها، إلا أن هذه المتعة متعلقة، غالباً، بالجملة الموسيقية وبراعة العزف وحلاوة النغم وسحر الآلة الموسيقىة التي لا مثيل لها كالعود والقانون والناي.

أغلب من يؤرخون للأغنية العربية، رغم غياب تأريخ موسوعيّ كامل لها، ينطلقون من التطور في التعامل مع اللحن، فباستثناء ما يقال عن سيد درويش، إنه أول من غنّى كلاماً له معنى مترابط، وهو أول ما طوّع اللحن ليبدو متناسباً مع الكلام الذي يتغنّى به المغنّي، فإن التأريخ لرحلة الأغنية العربية أساسه اللحن، فهذه المرحلة شهدت تطوراً في الجملة اللحنية، وتلك شهدت تطوراً في التوزيع وأصبح هناك هارموني في استخدام الآلات الموسيقية المختلفة، وهكذا دواليك.

تناولت الأغنية العربية مواضيع شعرية كثيرة، هناك أغانٍ وطنية، وأخرى عن الغربة والحنين، وثالثة عن الحب الإلهي، رابعة عن الزهد ومواضيع متنوعة بالغة الثراء، وهناك أغانٍ، هي الأكثر، عن الحب.

عندي يقين أن العرب عندما غنّوا عن الحب تصدّوا له، غالباً، بسطحية بالغة. تختلف المقدرة الشعرية من مكان لآخر، ولكن غالباً ما تصطدم بالسطحية، خاصة، عندما يكون المغنى أنثى.

كثيراً ما تولول المغنية الأنثى فقدان الحبيب، أو عدم اهتمامه، تقول أسمهان "امتى حتعرف إمتى، إني بحبك أمتى"، أما "يا حبيبي تعالى الحقني شوف اللي جرالي"، رغم ما تحمله من جرأة محمودة للغاية في التعامل مع الذكر، وإخباره بأنها كلها، عقلها وقلبها وكيانها وجسدها، تحت تصرفه، فقط ما عليه إلا أن يرغب، فإنها تبقى في ذات الإطار، الصورة البدائية للعلاقة، طرف متلهف، وآخر يتمنّع، وكأن المفهوم الطبيعي للعلاقة هو شدّ وجذب.

أيضاً، الأنثى المغنية كثيراً ما تحكي عن ارتباكها عندما ترى من تحب، الارتباك الذي يصاحب بدايات القصص. يتجسّد بقوّة مع شادية التي تقول "ييجي أبويا يعوز فنجان قهوة.. أعمل له شاي واسقيه لأمي"، هذا الارتباك، يتناسب، كما يقولون، مع طبيعة الأنثى الشرقية، التي تخجل وتصاب الخفر والحياء إذا رأت ذكراً يافعاً شهياً طيب الرائحة مليح القوام وسيم الخلقة حلو الحديث. يبقى الأمر إذن، في سياق العادي، والذي، ولأنه كثيراً ما تكرر، صار مملاً، رغم أنه أحياناً كثيرة، كما في حالة شادية، يصدّر بشكل خفيف الظل، ممتع.

أم كلثوم عندما تغني عن الحب فإنها قد تدعو حبيبها إلى ليلة حب "هذه ليلتي"، وقد تعبّر عن غضبها وعن الاستياء "هجرتك" و"لسه فاكر" و"للصبر حدود" وغيرها الكثير، وقد تصف لحظة الارتباك هذه "أنت عمري" و"أمل حياتي". وهذا كله أيضاً، في سياق التعامل السطحي مع العلاقة، فالحبيب إمّا ملاك بدّل حياة الأنثى نوراً بعدما كانت ظلام، أو أنه شيطان أسود حوّل حياتها جحيماً لأنه كان حقيراً.

ليلى مراد تغنّي أغنية رائعة اسمها "يا مسافر وناسي هواك" ولكنّها تبقى في ذات السياق التقليدي – السطحي للتعامل مع العلاقة بين الذكر والأنثى، هي تريده، وهو مسافر وناسي هواه، هي تجتّر الذكريات وتبتلع حنينها مع موج مطروح وهو ليس بذي بال.

أسوأ شيء هو أنا تحب أغنية لا تصدقها، أسوأ شيء هو أن تكون هناك أغنية تعرّف يقيناً أنك لن تغنيها لمن تحب، أو، بصفتي ذكر، أدرك يقيناً أن فتاتي لن تغنّيها لي "هل مثلا أستطيع أن أتخيل أن تغني لي فتاتي (أمل حياتي يا حب غالي)؟ أو أن تغني لي (أنساك يا سلام أنساك ده كلام)"؟ المقاطع التي يمكن أن استقبلها من أم كلثوم كطرف في علاقة قليلة جداً، أذكر منها الآن "قربك نعيم الروح"، ولكنها تبقى بالغة السطحية. العلاقات أكثر عمقاً من ذلك كله. العلاقة كما أفهمها، أو كما أحبها، أبعد من أن أقول لمن أحب "أحبك، فعيناك رائعتان، أنت الأحلى، كما أن حياتي قبلك كانت ظلاماً بينما هي الآن فرح وسعادة".

في فترة ما، أواخر سبعينيات القرن الماضي، انفك جمود الشعر الغنائي، ولكن حدث ذلك على مستوى المغني الذكر، تحديداً أتحدث عن منير وعلي الحجار، ولكن بقيت الأنثى بعيدةٌ تماماً عن الصورة.

لماذا أكتب كل هذا الكلام؟ أريد أن أصل إلى نقطة مفصلية بالغة الأهمية. أريد أن أصل إلى عندي ثقة فيك.

(هنا، بقيت نحو خمس دقائق أبحث عن مصطلح يصوّر حالة الانبهار بالأغنية، دون أن أكون مبتذلاً، فلم أجد)

وقالت لي إنها تثق فيّ، وقالت لي إنها تكتبّ فيّ شعراً ونثراً، وأن كل الأشياء تنتهي عندي، وأنها مولعة بي (هل استخدم هذا التعبير من قبل في أغنية بمثل هذه السلاسة؟ لست أذكر)، وأنها لا تملك المزيد من أن تثق في وأن تكون مولعة بي وأن تنتهي كل الأشياء عندي "شو يعني بدّك موت فيك؟ إيه والله رح موت فيك".

هل من أنثى تعرف أنها في موقف القوة الذي يسمح لها أن تمنح من تحب الثقة؟ هي لم تخبره أنها تحبه، لأنه، ومن المفترض باعتبارهما في علاقة، أنها تحبه، ولكنها تخبره أنها تثق فيه. عندما قالت لي فتاة أحببتها ذات يوم، إنها تثق فيّ، شعرت برعشة أكثر إمتاعاً من اللحظة التي أخبرتي فيها أنها تحبني، وأكثر إثارة من اللحظة التي حظيت فيها بقبلتي الأولى من شفتيها.

هي تقول له إنه يتعامل مع حبها له، وهو "متل ما حدا حب، ولا بيوم رح بيحب"، باعتباره شيئاً عادياً، لم أفهم هنا أنها تقصد أنه "خاين غشاش بيلعب بيّا"، ولكنني فهمت أنه لا يعرف أن حبها له يمنحه قوة، وأنه لو عرف، فإن أشياءً كثيرةً ستتغير.

هل امتلكت أنثى تغني من قبل جرأة الإفصاح عن أنها تكتب لمن تحبّ نثراً وشعراً؟ أنها طرف فاعلٌ في العلاقة كما هو الذكر طرف فاعلٌ؟ أحبّ هنا أن الأنثى تخرج من نطاق المفعول به، وتمارس أشياءً تؤثر إيجاباً على طبيعة العلاقة، أشياءً تتجاوز الأفكار السطحية عن هذه العلاقة، الحب والهجر والخيانة والارتباكة الأولى.

أفتقد الأغنيات التي لا تفتقد التفاصيل الصغيرة في العلاقة، التفاصيل التي أحبها أنا في أي علاقة "لو شي مرة صبحية.. تفكّر تتصل فيي". أحب أن أستيقظ على صوت من أحب، وأحب أن يغني لي أحدهم أنه يحب الاستيقاظ على صوت من يحب!

الاثنين، 17 أغسطس 2009

خراء

ما سيلي ليس في سياق البحث عن أي شيء، بل في سياق الحديث عن رغبات عادية جداً.

ما سيلي ليس في سياق الرومانتيكية المفرطة، ولكنه في سياق المنطقية والاعتياد.

ما سيلي ليس في سياق الاشتياق إلى شخص معين، ولكنه في سياق الاشتياق إلى أشياء كانت.


ليس ظريفاً أن أحظى بإفطاري وحيداً، ولأ أن أشرب قهوة الصباح وحيداً، ولا أن استقبل اليوم مع فيروز وحدي، ولا أن أتناول غدائي وحيداً، ولا أن أشاهد الأفلام التي أحبها وحيداً، ولا أن أرتاد المقاهي وحيداً، ولا أن أحضر حفلات الموسيقى وحيداً، ولا أن أشرب الشاي وحيداً.

سيءٌ جداً ألا تكون هناك أيّ فتاة تستمتع بشرب زجاجة نبيذ معي، وألا تكون هناك أيّ فتاة تستمتع بالرقص معي، وألا تكون هناك أيّ فتاة تشتهي قبلةً منّي، وألا تكون هناك أي فتاة تسمح لي بالربت على مؤخرتها بخفّة، وألا تكون هناك أيّ فتاة تنتظر باشتياق أن أكتب أي شيء لتقرأ.

المسترخي

نحمدك اللهم حمداً.. لأجل أخينا موتِ الجسدْ.. الذي لا ينجو منه أيّ إنسانٌ حيّ!


هكذا هي الدنيا.. "إيييييه"، بتنهيدة، هكذا، كمن يجلس مسترخياً على دكّة وضعها على طرف بستانه، فارداً رجله الأولى، وثانياً الثانية، واضعاً كوعه على ركبته، ويده الأخرى تمسك طرف ليّ نرجيلة، ليست بأيّ حال، بنكهة التفاح أو الكنتالوب أو جوز الهند، فهذة الصورة لا تحتمل إلا التفاصيل الكلاسيكية والأشياء الكلاسيكية.



والطوبي لمن يتمّمُ إرادتكَ المقدّسة.. إذ لم يطالهم الموت الثاني!


هكذا هو الاسترخاء، كشخصٍ أتمَّ كلَّ مشاريعهُ في هذه الدنيا وجلس على دكّته، يشرب نرجيلته وشايه، ويستمع إلى زقزقة العصافير ويشاهد منظر الغروب، يشتمّ رائحة الورد، يعبث بطرف شاربه، ويتنهد بنفس طيبة وبالٍ مرتاح: "إييييييييه.. دنيا".



إنّ في قتلي حياتي.. وحياتي في مماتي.. ومماتي في حياتي!


هكذا هي النشوة، أن يستخدم الرجل كلَّ حواسه، يعبث بأعضائه الجنسية ويشعر بضخامتها، يعرّي جزءاً من سرواله ليظهر طرف شيئه فتنتفخ غدد الفخر فيه ويكاد، لولا الكسل، ولو كان شاعراً مفوّهاً، أن يرتجل، كابن حلّزة، معلّقةً، كالمعلّقات الجاهليّة، يفخر فيها بحجم شيئه الفريد، يستطعم طعم شايه المغليّ جيداً ويستحلب نكهة النعنع، يسترق السمع نحو جارته العروس وهي تطلب من زوجها أن يفعل المزيد، يشاهد الأشياء من حوله دونما أن يركز على هدف معيّن، يشمشم بقايا رائحة سائله المنويّ العالق بطرف سرواله.. يتعرّق من وهج الفكرة ورائحة الذكرى.. يسحب نفساً عميقاً من نرجيلته ويتمتم: "إييييييييه.. دنيا".


حواس المسترخي هي العبث.. التعرية.. الفخر.. الاستراق.. المشاهدة.. الشمشمة.. التعرّق.. السحب.. والتمتمة.



سَئِمَتْ روحي حياتي.. في الرسومِ البالياتِ!


مع المسترخي، عادةً، في المشهد الكلاسيكي، مسبحة، يحملها في يده الأخرى، التي لا يستخدمها للعبث بشيئه، وهي غالباً، تكون يده اليسرى ما لم يكن أعسراً.



وحدةُ الحقيقةِ العارية تمحو الأسبابَ كلها.. تجعلني في هذا الفناء!


ويلٌ لمن يقتحم المشهد.. فمن يتخطّى حدود المسترخي له عذابٌ أليم.. أما أتاكَ حديثُ الولدِ الصغير.. ذو الشيء الصغير.. لاعبُ الكرة.. آكلُ الحلوى.. من لا يعرف الاسترخاء ولا العبث ولا التعرية ولا الفخر ولا استراق السمع ولا المشاهدة ولا الشمشمة ولا السحب ولا التمتمة.. فهو أثّام غليظ.. كذّاب لئيم.. اقتلوه وعذبوه وهو صاغرٌ.. قبيحٌ سيء الخلقِ لا يليق بالمرور أمام الملول.. نجسٌ لا يتطهّر.. مولع بالحراك فهو لعين.. لن نهبه إلا عذاب السعير.



أنا عِندي محوُ ذاتي.. من أجلِّ المكرماتِ!


ومن الجواري حورٌ عين.. تأتمل مرورهنّ فيأبين.. فاغرق، أيها المسترخي، في استرخائك، واتّكئ مزيداً من الاتكاء على أريكتك.. وواصل عبثك واستخدم حواسك.. فأنتَ إن وجدتها فهي لكَ.. فاستخدمها فالله يلعن كلَّ تاركٍ لما يهب.. اعبث فتصل إلى حاستك المجيدة.. أما أتاك حديث الذي واصل استرخاءه إلى أن جلس بين تسعين جارية.. فكلما وطأ الواحدة منهنّ طلبت المزيد.. فكلما طلبت المزيد أعطاها المزيد.. فكلما أعطاها المزيد استزادت.. فكلما استزادت وهبها فكلما وهبها اكتفت.. فكلما اكتفت واحدةٌ وطأ الثانية إلى أن تطلب المزيد فيعطيها فتستزيد فيهبها فتكتفي فيطأ الثالثة، وهكذا إلى أن يطأ التسعين جاريةِ فيكتفي.. ويستحلب النعنع في الشاي.

فليس إذن.. كلّ دخيل على الصورة أثام غليظ.. كذاب لئم.. قبيح سيئ الخلقِ لا يليق بالمرور أمام الملول.. نجسٌ لا يتطهر.. فإذا كانت ذات نهدين.. وفخذين.. بينهما عش شهيّ.. وسرّة تزيّن بطناً انسيابية.. تتشكل في الذهن ولا تأتي إلا بمزيدٍ من الاسترخاء.. تنمحي لها الذات.. تنمحي وتذوب.

الخميس، 16 يوليو 2009

قبلةٌ بألفِ عام

تحكي القصّة أنَّ فيروزَ، وهي على مسرحِها كانتْ تقف، بَدَتْ عليها إماراتُ توتّرٍ، سرعَانَ مَا بدأت تنسحب تدريجياً، عندما بدأ زياد يعزف لحناً على البيانو. لمّا أنهى زياد عزفه كانت ملامح فيروز رائقةً تماماً، تبسّمت.. تورّدت.. اتّعست عيناها وبان فيهما لمعان.. وئيداً توجَّهَتْ نحوَ الصبيِّ.. تمهّلت في مشيتها.. نظر هو إليها.. أمسكت برأسه وهو جالسٌ ما زال أمام البيانو.. وانحنت.. فقبّلت رأسه.. ثمَّ عادت!

لفتة فيروز تساوي ألفَ عامٍ من التصفيق، فكم إذن تساوي قبلةٌ منها على الجبهة؟

الجمعة، 10 يوليو 2009

في مديح الأنثى.. همزتها وقبلتها

ليست المسألة مرتبطة باحتدام الشهوة، ولكنّي هذه الأيام أكثر اهتماماً بالتناغم الجسدي أثناء العلاقة الحميمة. ضبطت نفسي غير مرة أقلب جوجل بحثاً عن صورة تناسب صورة الفيس بوك، وضبطت نفسي بعدها أجمع الصور ليتكوّن منها ألبوم كامل، وضبطت نفسي ثالثاً أبحث عن صورة ماجنة أضعها عند اسم المدوّنة، ثم أخيراً أضبطني أكتب تدوينةً عن القُبل!

إنني أسير همزة الأنثى. عندما تتغنّج الأنثى وتطلق همزتها أسقط صريعاً لتوّي. لاحظ التركيبة: "أح".. أو "آههه".. أو "آي ي ي". دائما هناك همزة، ودائما هناك تركيز على أن تهز هذه الهمزة كل شهوةٍ، دائماً تلحقها عضّة ماجنة على الشفة السفلى، مع توتر في العينين. عندما تنطق الأنثى همزتها أجلس وأستمع لعلي أكون من ذوي الحظوة.

أوه.. إنني أكتب عن الهمزة التي تُقال في السرير، للحظة تخيلت أنني قد أصبح كاتباً إيروتيكياً وتصبح لي شهرة عالمية كنادية طيز مثلاً، التي كانت تكتب في نادي الأدب الإيروسي إلى أن انقطعت أخباره (مفارقة: من دلّني على طريق هذا النادي شخص التحى الآن ويؤدي فروض ربّه). ما يعزّز هذه الفرضية أنني بلا عملٍ صحفي، أي أنني بعيدٌ عن لعبتي المفضّلة. أمارس المهن الأخرى باعتبارها مهناً وأنتظر انتهاء يوم العمل بفارغ الصبر، وحتى الآن وأنا سعيد في عملي، أفتقد منطق اللعب الذي كان يحكم التجربة الصحفية. من هنا، قد أجدني وافقت على العمل في عيون الليل، صحفيّ فضائح يحفظ ماركات الملابس الداخلية لكبار النجمات، ويقضي وقت فراغه في كتابة الإيروتك، الذي سرعان ما سيتحول إلى قصص جنسية مبتذلة ماجنة، ولكنها، هي الأخرى، ممتعة على أيّة حال!

في السينما المصرية يقبّلون منذ قديم الأزل. فاطمة رشدي هي أول ممثلة مصريّة تحصل على قبلة في فيلم "قبلة في الصحراء". وطبعا لغياب قاعدة البيانات السينمائية المحترمة وقعت في الالتباس حول سنة إنتاج الفيلم، فموقع السينما.. قاعدة بيانات الأفلام العربية يؤكد أنه طرح جماهيرياً في دور العرض ديسمبر 1928، بينما جماعة السينما الفلسطينية تنقل مقالا عن مجلة الطريق اللبنانية العتيدة، ينسب فيه كاتبه محمود روقة فضل إدخال القبل إلى السينما المصرية إلى إبراهيم لاما المخرج ذوي الأصول الفلسطينية، بفيلم "قبلة في الصحراء" عام 1927.

أحب الأفلام الفرنسية لأن أجساد الفتيات فيها ليست مكتملةً كجسد الفتاة الأمريكية. وأحب ملامح الوجه المحددة، فتكون العينان عينين والشفتان شفتين والأنف أنفاً. وأحب ملامح الجسد اللا محددة، فلا أحب مثالية الجسد الساذجة التي كانت تعجبني في أفلام البورنو الأمريكية، بل أحب التماهي بين التفاصيل كأجساد الفرنسيات. أحب أن أشاهد مشهد تحابٍّ على شاطئ فرنسي بدلاً من فتاة أمريكية تصرخ ولو كانت تنطق الهمزة. أفكر الآن: هل يستمتع الشاب الأجنبي مثلي بسحر حرف (F)؟ "Fuck me fuck". لو كان الأمر هكذا فأنا لست بفاهم، كيف يجد أيٌّ منا أورجازمه بدون همزة؟

الأربعاء، 8 يوليو 2009

إيروتك مقدّس

نشيد الأنشاد الذي لسليمان".. هكذا يبدأ سفر نشيد الأنشاد، أحد أسفار العهد القديم في الكتاب المقدس الذي للمسيحيين. كتبه سليمان كما تقول الرواية التي يصدقها المسيحيون، والتي يشكك فيها أصحاب عقائد أخرى، باعتبار نشيد الأنشاد نصّ إيروتيكي فيه وصف متبادل بين عريس وعروسه لمحاسن كلّ منهما الحسية، وهو ما لا يمكن أن يكون قد كتبه نبيّ كسليمان، فيقول الشاعر إن العصمة لا تكون إلا لنبيّ.. ونصوص كتلك.. تعتبر خارجة عن نطاق العصمة، إلى نطاق آخر هو إثارة الشهوات.

ويقع نشيد الأنشاد في ثمانية أصحاحات (فصول)، تصور بشكل أقرب إلى المسرحية حوارا بين عروسين حول محاسن كلّ منهما، ويتدخل في هذا الحوار بين حين وآخر آخرون، هم أشقاء العريس، وجوقة، يشجعون العروسين على الفوز ببعضهما وممارسة الحب إلى المنتهى.

وفي نشيد الأنشاد جرأة متبادلة بين العروسين في وصف افتتان كل منهما بالآخر ورغبته في ممارسة كل الأشياء معه، بل ولعل العروس تبدو أكثر جرأة في مغازلة عريسها وذكر محاسنه التي تحبها. إذ تقول في أحد المواضع "حبيبي قِلادَةُ مُرٍّ لي، بَينَ ثَديَيَ مَوضِعُهُ. حبيبي عُنقودٌ مِنَ الكافورِ في كُرومِ عينِ جدْيٍ"، وتضيف في موضع آخر "ليأتِ حبيبي إلى جنَّتِهِ ويأكُلَ ثَمَرهُ الشَّهيَ".

وإلى جانب تعبير العريس وعروسه، على السواء، عن رغبات كل منهما إزاء الآخر، يصف كل منهما رفيقه وصفا دقيقا، ويذكر كل منهما ما يحب في الآخر، وكيف أنه يكاد يصل إلى الكمال في فتنته، إذ يصف العريس عروسه ويقول "شَفَتاكِ سِلْكٌ مِنَ القِرمِزِ، وكَلامُ فَمِكِ جميلٌ. خدَّاكِ فَلْقَتا رُمَّانةٍ مِنْ وراءِ حِجابِكِ. عُنُقُكِ كبُرْج داوُدَ مَبنِيًّ للسِّلاحِ. ألفُ تُرْسٍ مُعَلَّقٌ فيهِ، وكُلُّ دُروعِ الجبابِرةِ. ثدياكِ تَوأما ظبْيةٍ صغيرانِ يَرعيانِ بَينَ السَّوسَنِ". فيما تردّ العروس عليه بقولها عنه إن "رِيقُهُ أعذَبُ ما يكونُ، وهوَ شَهيًّ كُلُّهُ". بل ويصل الحد بها إلى وصف المشهد التالي في تفاصيل العلاقة الحميمة، عندما تقول " مِنَ الكُوَّةِ يَمُدُّ حبيبي يَدَهُ، فتتَحَرَّكُ لَه أحشائي".

هكذا إذن.. نصّ أقرب إلى كونه نصّ إيروتيكي في كتاب هو مقدس.. نصّ قد لا يضاهيه أي نص إيروتيكي آخر في لغته وأسلوبه وجرأته، ولكن في النهاية تبقى المتناقضة أبدا.. فهذا النشيد، الأكثر جرأة والأمتع حسيّا، مضمّنٌ في كتاب هو مقدس بطبيعته، محرّم فيه الزنا وفيه نحوٌ إلى الروحانيات والتقرّب من الله وبعدٌ عن الجسد ومتعه ورغباته.

ولهذا، تدور سجالات حادة حول هذا السفر.. يشكك البعض في أن النبيّ سليمان كتبه، فالدليل على أن سليمان هو كاتب هذا السفر أول آية فيه والتي تقول "نشيد الأنشاد الذي لسليمان"، وتتعدد التفسيرات، فيقول البعض إن لفظ "الذي لسليمان" يعني أن سليمانا هو من كتبه، ويقول آخرون إنه هذا اللفظ قد يفيد أيضا أنه كُتِب لسليمان.. أو عنه، وليس سليمانا من كتبه. وثمة نظرية أخرى تؤكد أن هذا النص هو مجموعة من الأشعار كتبت في عصور وأزمان متباينة، مجهولة الكاتب، جمعت لاحقا في أواخر عصر المملكة، أي قبل السبي البابلي.

"الآباء اليسوعيين"، وهي حركة كاثوليكية نشأت منذ نحو خمسمائة عام، وضعت تفسيرا وترجمة للكتاب المقدس، تؤكد، بخصوص نشيد الأنشاد، أنه لا يوجد في آياته ما يدل على كاتبه أو ما يشير إلى زمن كتابته، وباستخدام مفتاح اللغة والأسلوب يؤكدون أنه كتب بعد وفاة سليمان بقرون عديدة، ويرجحون أنه مجموعة من قصائد الأعراس، التي تهتم بالحب أكثر من اهتمامها بالزواج، كتبت في القرن الخامس قبل الميلاد (عاش سليمان في القرن العاشر قبل ميلاد المسيح).

سؤال يطرح نفسه دائما.. كيف يكتب نبيّ هذه النصوص الأقرب إلى فنّ الإيروتك؟ ولو صحّت الروايات التي تشكك في كون سليمان هو كاتبه، كيف يضمّن هذا النص الإيروتيكي في كتاب مقدس موحى به من الله؟ سجالات كثيرة حول هذا الأمر، يقول الكتاب المقدس عندما يحكي قصة بداية الخلق إن الله قال بعد أن خلق حواء لآدم "ليس جيدا أن يكون آدم وحده"، كما يقول سليمان في سفر الأمثال "افرح بامرأة شبابك.. ليروك ثدياها في كل وقت، وبمحبتها اسكر دائما". تكرّم المسيحية الزواج فيأتي في سفر العبرانيين هذا النص "ليكن الزواج مكرما عند كل واحد، والمضجع غير نجس. وأما العاهرون والزناة فسيدينهم الله". وفي الإطار ذاته يأتي نشيد الأنشاد ليصف مباهج الحياة الزوجية، كما يقول مدافعون، لأن الجنس الذي هو داخل إطار الزواج لا خطأ فيه.

لنشيد الأنشاد إذن تفسير حرفي بأنه يصف حلاوة الحياة الزوجية ومتعة الجنس فيها، وهناك تفسير آخر، رمزي الدلالات، يسقط كل هذه النصوص على محبة الله لكل الشعوب، ويشببها بمحبة الزوج لزوجته، فيكون حب الزوجين وارتباطهما الأبدي، كحب الله لخلقه وارتباطهما أبدا.

اللافت، أخيرا، في نشيد الأنشاد.. عدا كونه نصّا يحمل ما يحمله من دلالات جنسية وأوصاف إيروتيكية، ذلك الجو المسرحي والصورة الدرامية، والحوار المتبادل بين عريس وعروس وأشخاص آخرين من جوقة وأشقاء للعريس. وبغض النظر عن الخلاف المحتدم حول شخصية كاتب هذا السفر من أسفار الكتاب المقدس، أو الوقت الذي كتب فيه، فإن أيا من التواريخ المطروحة كاحتمالات ممكنة لكتابة نشيد الأنشاد.. تأتي قبل ألفي عام تقريبا من بدء استخدام هذا الأسلوب السردي واستحضار ذلك الجو المسرحي، فيبدو النص غريبا على عصره.. متطورا وأكثر إبداعا.

الثلاثاء، 7 يوليو 2009

النهايات

سألت سلامة أن آخذ بوستراً كان يعلقه بجوار مكتبه في البديل: عرضيٌّ مكتوبٌ عليه "إسكندريّة.. ليه؟!" وصور الممثلين وبخط أكبر "فيلم ليوسف شاهين". أطرق سلامة قليلاً ولكنّه قال: "ماشي يا عم.. ما يغلاش عليك، أحسن ما يضيع هنا". ولكنّه ضاع، بحث أصدقائي لي عنه بعد أن بدأت إجراءات إغلاق الجريدة عمليّاً.. ولكنه كان قد تمزّق، وتشتّت، لم يعد له أي أثر تماماً كما البديل. وهكذا ضاع تعويضي.

--

كان أشرف سخيفاً معي، فحاولت أن أدفعه نحو الخطيئة ليهدأ، أوضحت له خطأه أمام الصغار، نبهته إلى أن رؤساءه لا يرضون عن أدائه، فغضب، شرحت له خطأ وضع العامود، فقال لي أخيراً: "أما نشوف آخر المنيكة بتاعتك". كان لي ما أردت، وقفت أزعق وأرغي وأزبد عن الاحترام والحقوق والإهانة، قلت كلاماً لا أذكره، وغضبت ورفعت مذكرة لرؤسائنا، بدوت كشهيد، الكل يصغي باهتمام لقصتي ثم يفتح فمه معبراً عن الاستياء الامتعاض والاشمئزاز من أسلوب الخطاب، ويتحسر على الجو الذي باتت فيه الصحافة، ويستذكر كيف كانت.. إيه.. إنه الزمن الجميل!

--

كنت حريصاًً على فضح السر، كما كنت حريصاً على كتمانه، كنت أنكر تماماً علاقتي بها، وأنفرد بكل واحدٍ على حده وأؤكد له أني أئتمنه وحيداً على سرّي، وأنني أحبها كما لم أحب أحداً، أتحدث بيقين عمّا ما سيأتي. وهكذا بات الجميع يعلم السر وبات الجميع ينكره. تعلمت عندما انتهت اللعبة أن النهايات آتيةٌ لا بد، ليس الأمر لا مبالاة لكنه يقين بأن النهايات تأتي لتحل محلها البدايات الجديدة، كما انتهى جدي وحل أبي محله، كما سيتهي أبي وسأحل أنا محله، كما انتهى ومبي وحلّ سيلانترو محله، كما انتهت الآلة الكاتبة ليأتِ اللابتوب، كما انتهت المذكرات العتيقة تحت الوسائد ليحلّ محلها بلوجر دوت كوم.

--

تنتهي كل العلاقات، علاقات العمل والصداقة والحب، والتلمذة، ينهيها التوتر، الأخطاء، التفسير المرضيّ للتصرفات، تنتهي ولو حتى إلكترونيا. لم أوفرّ وقتاً أؤكد فيه أني أحبّ فلاناً وأنه علمني كثيرا، دعمني وساندني في وجه الأعداء، إلى أن بشرني الفيس بوك بقرار المسح، جزعت ولكني عدت إلى النهايات، تنتهي كل الأشياء، كل العلاقات اليقينية تنتهي، كل الرغبات وكل اللحظات الغاضبة وكل الكلمات الغبية وكل ردود الأفعال وكل شيء.. لا شيء عصيّ على النهاية. أعدّ نفسي محظوظاً لأنني آلفت كثيراً من النهايات قبل أن تأتي نهايتي أنا!